فصل: 94 الآية الثانية منها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{بأن لهم الجنة يقتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون 111}
قرأ حمزة والكسائي {فيقتلون} بضم الياء {ويقتلون} بفتح الياء يبدآن بالمفعولين قبل الفاعلين.
قال أحمد بن يحيي هذا مدح لأنهم يقتلون بعد أن يقتل منهم.
وقرأ الباقون {فيقتلون} بالفتح {ويقتلون} بضم الياء يبدؤون بالفاعلين قبل المفعولين وحجتهم في ذلك أن الله وصفهم بأنهم قاتلوا أحياء ثم قتلوا بعد أن قاتلوا وإذا أخبر عنهم وبدأ بأنهم قد قتلوا فمحال أن يقتلوا بعد هلاكهم هذا ما يوجبه ظاهر الكلام.
{الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعدما كاد يزيغ قلوب فريق منهم 117}
قرأ حمزة وحفص {من بعد ما كاد يزيغ} بالياء وقرأ الباقون بالتاء.
اعلم أن فعل جماعة يتقدم لمذكر أو مؤنث إن شئت أنثت فعله إذا قدمته وإن شئت ذكرته كما قال جل وعز: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها} و{لا يحل لك النساء} فإذا أنثت أردت جماعة وإذا ذكرت أردت جمعا ومن قرأ {يزيغ} بالياء جعل في كاد اسما وترتفع القلوب بيزيغ والتقدير كاد الأمر يزيغ قلوب فريق منهم وإنما قدرنا هذا التقدير لأن كاد فعل ويزيغ فعل والفعل لا يلي الفعل وعلى هذه القراءة لا يجوز أن يرتفع القلوب بكاد ومن قرأ بالتاء ارتفعت القلوب بكاد.
فلا يجوز حينئذ إلا تزيغ بالتاء لأن فيه إضمارا للقلوب ومعناه التأخير والتقدير من بعدما كاد قلوب فريق منهم تزيغ ومن رفع القلوب بتزيغ أضمر في كاد الأمر كما ذكرنا في قراءة حمزة وحجة التاء قوله: {وتطمئن قلوبنا} ولم يقرأ أحد بالياء في هذا الموضع.
مسألة فإن قيل لم أنث تزيغ ولم تؤنث كاد وهما فعلان.
الجواب قال الفراء كاد فعل وتزيغ فعل فلك أن تذكرهما جميعا ولك أن تؤنثهما جميعا فلما كان لك الوجهان ذكرت الأول لأن بعده فعلا آخر ملتزما بالقلوب فذكرت الأول لأنه تباعد من القلوب وأنثت الذي بجنب القلوب.
وقال آخرون: كاد ليس بفعل متصرف ولا يكادون يقولون منه فاعلا ولا مفعولا به فذكرته وأنثت تزيغ لأنه فعل مستقبل متصرف.
{أولا يرون أنهم يفتنون 126}
قراءة حمزة {أولا ترون} بالتاء أي أنتم معشر المؤمنين أنهم يفتنون يعني المنافقين.
وقرأ الباقون {أولا يرون} بالياء أي أولا يرى المنافقون أنهم يفتنون أي يمتحنون بالمرض من كل عام مرة أو مرتين. اهـ.

.أسئلة وأجوبة في السورة الكريمة:

.قال الخطيب الإسكافي:

سورة براءة:

.93 الآية الأولى منها:

قوله تعالى: {والله لا يهدي القوم الظالمين} بعد قوله: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كما آمن بالله واليوم الآخر وجاهدوا في سبيل الله لا يستوون عند الله} التوبة: 19.
وقال بعده: {والله لا يهدي القوم الفاسقين} بعد قوله: {قل إن كان آباؤهم وأبناؤكم وإخوانكم} من التوبة: 24.
وقال في هذه السورة: {والله لا يهدي القوم الكافرين} موصولة بقوله: {إنما زيادة في الكفر} من التوبة: 37.
للسائل أن يسأل عن تخصيص بعض هذه الآيات بـ {الظالمين} وبعضها {الفاسقين} وبعضها بـ {الكافرين}، وهل ذلك لمعنى يخضه؟
والجواب أن يقال: إن المراد ب، {الظالمين} في الآية الأولى مشركو العرب الذين أقاموا بسقايا الحاج، وأنفقوا على المسجد الحرام رجاء الثواب مع المقام.
الكفر والعصيان، فهم لأنفسهم بالكفر ظالمون، وبعملهم الذي يؤملون الانتفاع به مع مضامة الكفر واضعون الشيء غير موضعه، فلما فعل هؤلاء المشركون ذلك وكلن كل مشرك ظالما، وكل من وضع شيئا في غير موضعه يكون ظالما، وإنما يكون غير ظالم إذا أنفق في حال الإسلام على الملسمين من الحجاج دون الذين كانت صلاتهم عند البيت مكاء وتصدية، عبر عنهم بـ {الظالمين} لانطواؤ هذه الصفة على الكفر، وعلى المعنى الزائد بتضييع المال في حال الشرك، والمعنى لا يهديهم إلى نيل الثواب الذي ينفقون، وبسببه يعمرون، ولا يدلههم على ثمرة ما يؤملون.
وأما الموضع الثاني، وهو {والله لا يهدي القوم الفاسقين} فإنه تحذير لمن قال فيهم من المسلمين: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله}. التوبة: 24 فعرفهم أن من آثر مراعاة هذه الأبواب التي عدها على طاعة الله تعالى، التي أوجبها من الجهاد في سبيله، فليتربص نازل عقاب الله به، وأنه بفعله ذلك من جملة الفاسقين، وأن حكمه حكمهم، والله لا يهديهم إلى ما أعدوه للمؤمنين من الثواب لتعرضهم لمخالفة أمر الله تعالى للعقاب، فكان ذكر الفاسقين أليف بهذا المكان.
وأما الموضع الثالث، وهو {والله لا يهدي القوم الكافرين} فإنه بعد قوله في وصف الكفار: {إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما} التوبة: 37 وهو ما كان بعض العرب يأتيه من تحليل بعض الأشهر الحرم، وتحريم بدله من الشهر الذي ليس بمحرم ليوفي عدة الأربعة، فيكون في ذلك تحريم ما حلله الله وتحليل ما حرمه، فأخبر الله تعالى أن ذلك زيادة في كفرهم، ثم عقبة بوصفهم بأنه لا يهديهم، فكان أحق الأوصاف في هذا المكان لفظة {الكافرين} التي اقتضاها هذا المعنى والذكر المتقدم في مكانين من الآية. والله أعلم.

.94 الآية الثانية منها:

قوله تعالى: {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون}. التوبة: 32.
وقال في سورة الصف: {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره لو كره الكافرون}.
للسائل أن يسأل فيقول: قال تعالى في الآية الأولى: {يريدون أن يطفئوا نور الله} وقال في الثانية {ليطفئوا} فما الذي أوجب اختصاص الأولى بما اختصت به، والثانية باللام دون أن تكون مثل الأولى بـ أن وهي الأصل في تعدي الإرادة إليه؟
والجواب أن يقال: إن الإرادة في الآية الأولى تعلقت بإطفاء نور الله بأفواههم، وإطفاء نور الله إنما يكون بما حاولوا من دفع الحق بالباطل فالحق يسمى نورا، لأن حججه وبراهينه تضيء لطالبه بها إليه، والباطل هو قوله بأفواههم، وهو ما أخبر الله تعالى به قبل عن اليهود والنصارى فقال: {وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم} التوبة: 30. أي: هو قول لا حقيقة له، ولا محصول، وبمصله لا يدفع الحق وبالأفواه لا يطفأ هذا النور كما يطفأ السراج، لأن هذا النور وإن أشبهه في أنه يهدي ويبين الحق من الباطل، فهو بخلافه في الامتناع من الإطفاء كما يتهيأ ذلك في السراج.
والنور يجوز أن يكون الآية المنيرة والحجة الساطعة ويجوز أن يكون المراد به القرآن، ويجوز أن يكون المراد به النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا} الأحزاب: 45-46. فالسراج المنير يسمى نورا، وكل واحد من الثلاثة إذا دفعوه جاز أن يقال: حاولوا إطفاءه والخبر عن اليهود والنصارى الذين قال فيهم عز وجل: {ذلك قولهم بأفواههم يضائهون قول الذين كفروا من قبل} التوبة: 30. أي: يشاكلون بإثباتهم لله بنا وشريكا قول من أثبت مع الله آلهة: {وما أمروا إلا ليعبدوا إله واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} التوبة: 31. وهذا واضح وتعدى الإرادة إلى هذا المراد ظاهر، وهو وجه الكلام والأصل. وأما الآية في سورة الصف، وتعليق الإرادة فيها بالإطفاء مع زيادة اللام، فإن للنحوين في ذلك مذهبين.
أحدهما: أن اللام توضع موضع أن لكثرة ما يقال: زرتك لتكرمني، فاللام لما شهرت بنيابتها عن أن وقيامها مقامها في الموقع، كان تعدى الفعل إليها مع ما بعدها من الفعل كتعديه إلى أن وما تنصبه من المسقبل فيقال قصدت أن تفرح وقصدت لتفرح، وهذا لا يكون إلا على سبيل التوسع دون الحقيقة.
فأما المذهب الآخر فللمحققين، وهو أن الفعل معدى إلى المفعول محذوف، واللام الداخلة على الفعل المنصوب تكون منبئة على العلة التي لها أنشئ الفعل.
والمراد في الآية على هذا التحقيق: يريدون أن يكذبوا ليطفئوا نور الله بأفواههم لأن قبلها: {ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام} الصف: 7. فقوله: (يريدون) لم يذكر فيه مفعول ما يريدون اعتمادا على ما نبه عليه بقوله: {ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب}.
فكأنه قيل: يريدون افتراء الكذب ليطفئوا نور الله، وهو على نحو قوله:
أردت لكيما يعلم الناس أنها ** سراويل قيس والوفود شهود

وأن لا يقولوا غاب قيس ** وهذه سراويل عادي نمته ثمود

أي أردت أن انزع سراويلي ليعلم الناس إذا رأوا طولها على أنها عادي القامة، ثمودي الخلقة.
فلهذا خصت الآية الثانية بدخول اللام على يطفئوا ولما كان المراد في الآية الأولى الإطفاء بالأفواه لما دل عليه مفتتح العشر، وهو: {وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم} التوبة: 30.
كانت الإرادة معداة إلى إطفاء نور الله تعالى بأفواههم، وهو ما حكى الله تعالى عنهم أنه قولهم بأفواههم، أي: يريدون أن يدفعوا الحق بالباطل من أفواههم، وهذا واضح.

.95 الآية الثالثة منها:

قوله تعالى: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون}. التوبة: 45.
وقال في موضعين آخرين من هذه السورة: {ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين} التوبة: 80.
وبعده: {ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} التوبة: 84.
للسائل أن يسأل عن الفرق بين هذه الأماكن حتى أعيد في الأول حرف الجر مع المعطوف، ولم يعد في المكانين الآخرين؟
والجواب أن يقال: لما كان الأول فيه إيجاب بعد نفي صار الخبر أوكد، وإلى أمارة التوكيد أو حج، ألا ترى أن قولك ما زيد إلا فاضل أوكد من قولك: زيد فاضل، وكذلك ما زيد إلا قائم أوكد من قولك زيد قائم فلما كان كذلك احتاج المعطوف على قوله: {بالله} إلى توكيد لم يحتج إليه في قوله: {كفروا بالله ورسوله} إذ ليس أحد من الموضعين الآخرين متضمنا إيجابا بعد نفي كما تضمنه قوله: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله} الآية.

.96 الآية الرابعة منها:

قوله تعالى: {ولا ينفقون إلا وهم كارهون فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبكم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون} التوبة: 54-55.
وقال بعده: {ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبكم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون} التوبة: 85.
للسائل أن يسأل في الآيتين عن أربع مسائل:
أولها: {فلا تعجبك} بالفاء في الآية الأولى، وقوله: {ولا تعجبك} بالوار في الآية الثانية.
والمسألة الثانية: تكرار لا في قوله: {ولا أولادهم} وتركه في قوبهه: {ولا تعجبك أموالهم وأولادهم}.
والثالثة قوله: {إنما يريد الله ليعذبهم} باللام، وقال في الآية الأخرى: {إنما يريد الله أن يعذبهمن}.
والمسألة الرابعة قوله: {في الحياة الدنيا} في الآية الأولى، وفي الآخرة: {في الدنيا} من غير ذكر الحياة الموصوفة بها.
والجواب عن المسألة الأولى في الفاء والوار، ومجيء الآية الأولى على {فلا تعجبك} والآخرة على {ولا تعجبك} هو أن يقال: إن قبل الفاء قوله تعالى: {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون}. التوبة: 45. فأخبر عن المنافقين بما يقصدونه بأفعالهم التي يوقعونها في حالهم واستقبالهم على معنى: أن يكسلوا عن الصلاة ويتكرهوا الصدقات، فإن الله تعالى ليس يجازيهم بما يسوءهم من أموالهم، بل يجعل ذلك عذابا لهم مدة بقائهم بما ينالهم من النقص في أموالهم بما أباح منها للمسلمين بالقتال، وما يصيبهم في الأولاد من السبي والاستبعاد، ثم عند الفراق يكون الألم على قدر محبة الأحياء، هذا سوء الانقلاب وما أعد لهم من العذاب ليوم المآب، فلما كان الفعل الذي قبل الفاء بمعنى الشرط صار بعدها في موضع الجزاء فخضعت بالفاء لذلك.